الخميس، سبتمبر 13، 2012

أحزان المها ... قصة










ماما ** ماما
هكذا استردت مها جزءا من وعيها على صوت ابنتها
تفتح مها عينيها بتثاقل كأن العمر بحمله مكث فوق جفنيها تحاول أن ترى أين هي وما بها
ولكن العمر أبى أن يتحرك من فوق جفنيها  بكل تفاصيله يسترجع معها آلامها 

********

*1*

مها بنوتة جميلة مهذبة ذات طباع خاصة فهي تتسم بالهدوء
والإتزان مرهفة الحس ذات ذكاء خارق مرهق لها كثيرا
كانت كبيرة أبويها عاشقة لوالدها الطيب الحنون صاحب الابتسامة العميقة الوالجة للأعماق كانت تلمس حبه من نظراته لها تطمئن دوما بوجوده فهو مصدر الأمان لروحها وكيانها
ومن الجانب الآخر لها أم متسلطة عصبية أنانية غيورة لدرجة الجنون غير عادلة في حبها لأولادها قاسية على البعض مدللة للآخرين بطريقة مستفزة جارحة لمن تغدقهم بقسوتها وتسلطها
تحملت مها الكثير رغم عمرها الذي لا يتعدى السبع سنوات
تكبدت الضرب والحرق أحيانا من تلك المسماه بالأم
كانت مها لا تشتكي ابدا لأنها تعلم مدى حب والدها لتلك القاسية فهو عاشق لها لا يرفض لها طلبا مدللة عنده هي فوق الجميع ورغم ذلك لا يأمن بطشها عندما يتحدث لأي إنسان حتى ولو ابنتها
فهي غيورة من كل شيء وأي شيء لا تفرق ابدا
فاقت الحد والوصف
تحولت بعد ذلك الغيرة عندها إلى شك أضاع عليهما أجمل سنوات عمرهما
بات المنزل جحيما مستعرا لا يهدأ ولا ينطفيء ابدا
كان الأب همه ارضاء الأم باستمرار خروج وفسح وسفر ليرضيها ويرضي غرورها ونتيجة لذلك فالأولاد دائما  مع عماتهم يلاقون الإهمال
إلا من رحمت الأم ورضت عنه
ونال شرف صحبتها
وكان من أوجه التفرقة التي حـُفـِرَت في نفس مها أن تدخل
إحدى الابنتين مدرسة فرنساوي لأنها من وجهة نظرالأم رقيقة
والأخرى اللي هي طبعا مها تدخل مدرسة حكومية
الباص نصيب المدللة والأخرى تتوه حتى تعود للمنزل
ومرت الأيام والسنوات

**********

*2*

أصبحت مها بالمرحلة الإعدادية
و رغم كل شيء وما يعتريها من آلام إلا إنها متفوقة دائما قوية الارادة 
تعيش مع نفسها ابتعدت بكيانها عن تلك السلبيات التي أرهقتها نفسيا
حتى والدها الذي كان كل شيء لها احست فتور حبه واحتوائه لها منشغلا بارضاء الأم واحتياجاتها وسفرياتها التي لا تنتهي
ومرت الأيام

**********

*3*

 أحبت مها ارتبطت بقريب لها أحست منه الاهتمام والحب الذي افتقدته
من والديها واخواتها المدللين
عاشت أجمل وأصدق احساس لم تحسه من قبل
فرحة غمرتها
تغيرت كل معالم الدنيا من حولها لم تعد تهتم لمشاكل والديها التي لا تنتهي
باتت حالمة تنتظر كل صباح عند ذهابها للمدرسة الثانوية التي اختارتها بجابب مدرسته رغم بعدها عن منزلها
لتراه عن بـُعد لتلتقي عينهما لتنسى بهما الدنيا ولتمنحها تلك النظرة طاقة البقاء وسط هذا الهراء اللا منتهي

***********

*4*

جاء حبيب مها بعد انتهاء دراسته والتحاقه بوظيفة
ليطلب يدها من والدها لكن للأسف كان نصيبه الرفض فهو من وجهة نظرهم دون المستوى الثقافي و الاجتماعي
فهي كما يقولون ستصبح جامعية وهو ليس معه سوى دبلوم
لالالالا لا يناسبها ابدا
واشتدت المراقبة على مها بات أخوها الأصغر المدلل جاسوسا عليها لصالح الأم
اشتد الحزن عليها وعلى حبيبها ولكنه كان له تفكير غريب
ذهب وخطب فتاة أخرى ليثبت لأهل مها إنه مـُرَحب به وليس كما يدعون
دون المستوى وأنه مرحـَّب به من الآخرين .....

********

*5*

صدمة أقعدت مها عن التفكير أقعدتها عن الحياة
إلا في التفكير في حبيبها الذي احبته من كل قلبها
حبيبها الذي لم يلمس يدها ابدا
حبيبها التي أدمنت عيناها البحث عنه في الطرقات علها تلمحه فقط من بعيد
حبيبها الذي حزن لفراقها رغم عناد نفسه وما لبث أن وافته المنية لتنتهي معه فصل من فصول أحزان مها التي لا تنتهي

************ 

*6*
دأبت مها على دراستها تحاول أن تكون مستقلة متفردة غير من حولها
رآها جارها العائد من الخارج الباحث عن بنت الحلال كعادة الشباب
وهي جميلة لبقة مهذبة
بسرعة طلب يدها فوافقت هروبا تريد أن تخرج من ذلك البيت بأي طريقة
لكن كيف لا تدري
تخيلت أن زواجها سيكون طوق النجاة لها رغم أنه يكبرها باثني عشر عاما
اتفقوا على عقد القران حتى تنتهي من دراستها وبعدها يتمم الزواج
كان متدينا ملتزما خجولا سمحا أو هكذا بدا
ومع الأيام وتكرار المواقف بدأت صفحات شخصيته تعلن عن نفسها 
وبدأ يمارس على مها  طقوس ذكورته من باب أن هذا حق من حقوقه
حاول اغتصابها أكثر من مرة وكانت تقاومه بكل ما تملك
بدأت تنفر منه فهذه ليست طبيعتها ليس احساسها
هل هذا هو الأمان الذي تفر إليه ؟؟
هذه الشخصية الممسوخة المدعية
هل هذا ما سيعوضها عن حبيبها الذي فقدته ولم تفقد روحه
لا ... لا يمكن
أحس هذا المدعي نفور مها منه و بعدها عنه بات أكثر غيرة وتسلطا حتى أنه حكم عليها أنه سيتمم الزواج سريعا ولن تكمل دراستها
إما هو وإما دراستها ....
اختيار غبي منه جاء على هواها
فتشبثت برأيها وهو استكمال تعليمها
وما لبثت أن فضحته وفضحت ممارساته الشاذة نحوها
أجبره والدها وأصدقاء له على طلاق مها
ونالت مها حريتها التي كادت أن تندثر تحت رجل ذكوري لا يشعر ولا يحس ولا يرى ولا يفهم غير الجسد ولغته
وانتهى فصل من فصول أحزان مها

************

*7*

كل تلك الأحداث ولم تكمل مها الثامنة عشر من عمرها
دخلت مها الجامعة وعاشت أجمل أربع سنوات بعمرها كانت كليتها بمدينة بعيد عن مدينتها مما منحها بعض السكينة لبعدها عن ذلك البيت الكئيب
كانت ضيفة لا تهتم باحداثه
ولكن سلوك الأم سامحها الله وتفرقتها بدأت أثارها في الظهور على أخوات مها وتعليمهم فهم جميعا تعليم متوسط
تشبعوا بالأنانية وحب الأخذ دون عطاء تفرقوا وابتعدوا وذهب كل في طريقه
وعندما يعودون يعودوا بمشاكلهم ومصائبهم يستنجدون بوالدهم وعندما يرفض الاستجابة تقيم الأم الدنيا ولا تقعدها ويرضخ لها مسلوب الارادة مرات ومرات
وكأنه دمية تحركه كيفما تشاء واستغل المدللون ذلك ففاض ظلمهم وتماديهم في الغلط والانحراف ومازالت تدافع عنهم والأكثر من ذلك إنه تصب غضبها  على الأب هو السبب لما آل إليه المدللون
نعم أنت السبب يا والدي هذا لسان حال مها دائما
أنت من رضخت للهوى وأنت من سلبت نفسك حق تقويم أبنائك تركتهم بيد امرأة لا تجيد الأمومة
فلا تلومن إلا نفسك فأنت الملوم أولا وآخر
ومن هنا فقدت مها احساس الأخ لها أخوة اسما وليس لها سند أو حائط تركن إليه فهم خواء
تزوجت أختها الصغرى وسافرت للاقامة مع زوجها في مدينة أخرى
اشتدت الوحدة واشتد ألم الاغتراب عن كل من حولها
لم يعد بالبيت إلا مها وطفل مدلل لم يتعد العشر سنوات

***********

*8*

لو كنت يا أمي كالأمهات تحتويني تحسي بي تتكلمي معي تحضنيني
يا الله كم أشتاق لضمة منك لطبطبة تزيح عني آلامي المترسبة في أعماقي
ولكن هيهات لأحلامك يا مها
يااااه حلم ؟؟؟؟ معقول ضمة الأم حلم
يا الله كم هو احساس مميت

**********

*9*

جاء العريس
شاب يكبر مها بأربع سنوات وسيم جميل
عنده الشقة وله وظيفة محترمة غير العمل الحر مع اخوته ووالده
بدا لمها شعاع أمل في الخلاص
وافقت سريعا وكأنها لوحدها في الدنيا لا حارس لها ولا معين
وتزوجت ويوم زفافها بدأ القناع في السقوط
حاولت تدارك المواقف واحتوائها فنار بيتها أرحم من جنة المنزل الملعون
وبدأت في التقرب منه ومن أهله علها تجد بهم ما يغنيها عمن فقدته
هههههههههه
هيهااااات
هيهاااات
ما وجدت غير التخلف المتجسد بأناس وما هم بأناس تغلب عليهم عقد النقص المركبة اللانهائية
وفي المقابل
علم زوجها بمشاكل أخواتها وكان القرار الأول بمنعهم دخول بيتها
وبات لسانه يمزقها من حين لآخر
وكانت ترد عليه بنظرات لا يعلم معناها غير الله
احتسبت وصبرت
ولسان حالها يقول
مش مهم المهم أني ببيتي وحدي بعيدة عن المشاكل
و تقوقعت مها داخل بيتها وعملها
وانجبت مولودها الأول وعاهدت نفسها أمام ربها أن تكون أمـًا بحق
أمـَا تحتوي أمـَا تمنح السعادة والاستقرار النفسي لأولادها ولو على حساب نفسها
ومرت السنون وأنجبت ثانيا وثالثا
وتعودت على الصبر واحتواء المشاكل والتطنيش عمال على بطال
لتتقي هذا الزوج المتكبر وتعجرفه الغير مبرر عليها
تحملت مها الكثير وأعطت الكثير والكثير لم تتذمر يوما على حياتها لم تطلب شيئا ابدا تعودت العطاء دون مقابل لتمنح أولادها ما افتقدته من حنان وأمومة
كانت الضد من أمها
للاسف لم تدرك أن خير الأمور الوسط إلا بعد فوات الأوان
ومرت السنون والفصول من أحزان مها

*********

*10*

كبر الأبناء جميعهم في مراحل تعليم مختلفة كما تمنت لم تهملهم قط صارت لهم قبلة تحتويهم وكانت لهم السكينة يستشعرون صمت آلامها
مع أب كل ما يجمعها به هُم وهُم فقط
صبرت من أجلهم تحملت جبروته وقسوته
لم يدر عنها وعن مشاكلها إنسان كانت كتومة صبورة
دفنت أحزانها كعادتها لأنها لم تجد يوما السند فالأب مازالت مشاكله قائمة مع زوجته وأولاده

*********

*11*

مرضت مها واشتد عليها المرض فقدت الرغبة في الحياة
حتى أولادها التي كانت تحيا من أجلهم شعرت إنها اكملت رسالتها تجاههم
أوصتهم بالاعتدال في كل شيء لا تستهينوا بشيء ولا تهونوا من شيء
كونوا كما تريدون لا كما أن يريد لكم الآخرون
شاوروا واستشيروا
لا تتقوقعوا
خذوا من تجارب غيركم ما ينفعكم بدنياكم
اجعلوا منهاجكم الصدق مع النفس والصدق مع الآخر

*********

نهاية الأحزان

ما هذه الدنيا ما الغرض منها !!
 أأحزان تجلب أحزانا ؟؟
أين السعادة ؟؟
أين طريقها ؟؟
أهي عندك يا الله ؟؟
كم هو طريق صعب طريقها لقد
أضناها ملأ كيانها أحزانا حتى فاضت وأغرقتها

***********

*12*

تفتح مها عينيها تبتسم لابنتها ابتسامة رائعة كعادتها
وتذهب
 ماتت مها في هدوء كما عاشت في هدوء
حملت معها أمنياتها بالسعادة علها تلقاها عند ربها
وتنتهي أحزان المها ....



بقلم أمل حمدي